هل الوقت من ذهب

هل الوقت من ذهب ؟ ـ :
لا .. لأنه أغلى من الذهب,انه مادة الحياة, وما الحياة بكليتها إلا الوقت الذي نعيشه أو نقطعه (أو يقطعنا) وقد فطن احمد شوقي إلى هذا المعنى فقال:

دقات قلب المرء قائله له ** إن الحياة دقائق وثوان
إذا فأنفسنا وخفقات قلوبنا محسوبة علينا, وحياتنا هي جماع وحدات الزمن التي تتناقص,كما تتناقص كميه محدودة من معين ماء قطره قطره,أو هي كالرصيد الذي ينفذ منه المال ساعة بعد ساعة . ومع هذا فنحن نقتل الوقت بالحديث الفارغ,والتبطل الممل,وبعضنا يروح ويغدو من البيت إلى الشارع .. ومن الشارع إلى البيت.وحتى تدرك ذلك, راقب احد هؤلاء الذين لا يعملون ولا ينتجون, وكيف يهدر وقته, يسلخه بل يسفحه هدرا, أو استمع –بصبر مقصود- إلى بعض المكالمات التلفونية الطويلة التي لا طائل وراءها (طق حنك .. الله وكيلك). ومنا من لم يعرف معنى لتنظيم الوقت حسب سلم الافضليات,فحياته خلط في خلط , حيث لا يكتسب علما ولا يتخذ يدا,وتضيع الساعات كل يوم في القال والقيل, أو في النوم الخفيف والثقيل. وقتل الوقت عندنا نحسه كثيرا في رمضان,حيث المفروض أن نزجي الوقت بالقراءة والعمل الصالح والعبادة,فإذا بساعات بعد الظهر تغدو انتظارا لنهاية النهار ثانيه ثانيه .. وذلك حتى تمتلئ المعدة الخاوية من جديد. وليست حياتنا غفلة أو هروبا – كما يخيل للمدمنين على المخدرات أو المشروبات, من الذين يريدون تجميل أوقاتهم بالطرب والنشوة واللامسؤوليه والانفلات والأحلام والأوهام,هؤلاء الذين يظنون أنهم سادة للوقت,أنهم في الواقع عبيد له. فالوقت الحقيقي هو الوقت الذي نستعمله بالكفاح والمثابرة واللذة في العمل والإنتاج وخدمة أنفسنا وخدمة الآخرين. إن الرجل الرجل - هو الذي لا يؤجل عمل اليوم للغد, يغتنم الفرصه ويبادر إليها,ويحاذر فواتها من غير جدوى. فانظروا إلى كل ناجح –تعتبرونه ناجحا- في أي ميدان,ستجدونه أولا وقبلا منظما لوقته,مستغلا إياه بالطريقة المثلى,ولنسق بعض الامثله من تاريخ أدبنا العربي: فهذا أبو تمام اضطرته الثلوج أن يلجأ إلى دار أبي وفاء بن أبي سلمه في همذان, فيجد لدى المضيف مكتبة, فيستغل أبو تمام شهر الاقامه ليؤلف كتابه المشهور "الحماسة". وهذا ياقوت الحموي- وكان عبدا رقيقا يرسله مولاه للتجارة – يدون في الوقت المتاح له كل ما يشهده من بلاد وممالك, ليضع – بالتالي- في متناول أيدينا سفرا خالدا هو "معجم البلدان". وإزاء ذلك فالكثيرون منا لا يعرفون معنى الوقت. ولا بد من حكاية لها دلالتها : قال احدهم :
- سأزورك اليوم .
- أهلا وسهلا! متى؟
- في بحر النهار.
هكذا في " بحر النهار" , بدون تحديد , ففي عرفه لا يهم إن كان مشغولا عندما يهل هلاله أم لا, إن كان سيستريح في ساعات القيلولة أم لا, فالوقت عنده بحر, ولا يهم في أيه جزيرة يرسو .. ومتى .
ومره أخرى : إن الكثيرين منا لا يقدرون الوقت حق قدره, فلا تبدأ حفله بميعادها, ولا اجتماع بميعاده. نسافر بعيدا, ولا نجد احد بانتظارنا, أو بالعكس ينتظروننا ولا نكلف أنفسنا مشقة الوصول, ومن وصل بدقه كأنه فعل عجيبة وسميناه (ييكي). نحن بحاجه إلى تنظيم أوقات العمل وأوقات الراحة, أوقات التفكير وأوقات التدبير. ولنتذكر ما قاله بعض الحكماء: الفراغ مفسدة.